الشاعر (سيد حجاب):


الشاعر (سيد حجاب):
أجمل أشعاري هاجمتني و أنا ألعب الدومينو
الشاعر سيد حجاب واحد من أعذب الأصوات الشعرية في مصر والعالم العربي، هو فارس رومانسي يقف في الصفوف المتقدمة للحلم الرومانسي. أشعاره تلج بنا إلي عالم البراءة وبكارة الحياة ويدخل بنا إلي عالم الحلم الأسطوري، وإبداعه الوجداني ينغمس في الحزن الوقور.
شعر سيد حجاب توزيع أوركسترالي متعدد الأصوات.. شاعر خصب له مفرداته الخاصة الدافئة.. ذات جرس حاد، وكأنه بذلك يريد أن يهز القلوب المتحجرة.. ويحرك المشاعر الجامدة، يصيغ أشعاره بحس انساني شفاف ويؤكد علي قيمة الحب والقناعة وقيم الحق والخير والجمال.
"بلدنا
بحيرة ومدن
وآلام عددنا
وأحلام تزيد عن عددنا"
المطرية دقهلية مدينة الصيادين المنبت المنشأ الخطوات الأولي في الحياة والخطوات الأولي في الشعر وفي عشق الجمال والحق والخير.
* في البدء.. كانت البداية فصحي ثم اتجهت إلي العامية هل كان هذا التحول نتيجة لسهولة الكتابة بالعامية؟
ــ ببساطة شديدة أنا بدأت بالفصحي لأني ابن هذه الثقافة الجزء منها مصادره أزهرية والجزء منها مصادره الأدب الرسمي السائد آنذاك، ومن الطفولة كانت تنتابني رغبة الكتابة بالعامية والكتابة بالفصحي لكن كنت أظن جريا وراء الوهم الشائع أن الكتابة بالفصحي أرقي من الكتابة بالعامية، كنت أكفف شاعر العامية بداخلي لحساب شاعر الفصحي الباديء، مع الوقت والزمن ومع اللقاء بمدرس مهم جداً في حياتي كان مدرس الرسم في مدرسة أحمد ماهر الثانوية اسمه شحاته سليم نصر الذي قرأ أشعاري الباكرة ونبهني انني أكتب كتابة ذات طابع ذاتي وان المشاعر الإنسانية محدودة، سأكتبها مرة ثم مرة ثانية ثم أتحول إلي صانع لا إلي مبدع ولا إلي شاعر. حين سألته الخلاص قال لي "أهلك اللي حواليك 30 ألف صياد بداخل كل صياد عشر قصائد محتاجين للي يكتبهم" بحسبة صغيرة في الطفولة شعرت بانني عثرت علي منجم شعري بدأت أعبر الشارع الصغير شارع حجاب الذي يفصل اهلي من المتعلمين عن أبناء عمومتهم الصيادين البسطاء. بدأت ارتبط بحياة أولاد الصيادين بدأت أحاول الكتابة عنهم، أسرح معهم إلي البحيرة من خلال محاولة الكتابة عنهم استيقظ الشاعر الذي يكتب بلغة الحياة اليومية المحكية المكفوف المقهور بالقيم الرسمية السائدة. كتبت في البدء قصائد.. السرد فيها بالفصحي والحوار بالعامية، ثم استقلت العامية بقصائد بكاملها.
وواصلت الكتابة بالعامية والفصحي وقدمني الدكتور مندور في البرنامج الثاني شاعراً بالفصحي في برنامج كتابات جديدة الذي كانت تقدمه السيدة سميرة الكيلاني في البرنامج الثقافي.
وقدمني الدكتور عبدالقادر القط شاعراً أيضاً بالفصحي في مجلة الشهر التي كان يصدرها الراحل العظيم سعد الدين وهبة في قصيدة "ثلاث أغنيات إلي البعيد" ثم التقيت بصلاح جاهين وانحسمت المسألة.
* صلاح جاهين، فؤاد حداد ما مدي تأثرك بهما؟
ــ صلاح جاهين: مزيج من المحب المعجب والأب الحنون والمثقف العظيم الذي يشير ويعلم بفنه وبسلوكه وبمعارفه وببساطته الإنسانية المدهشة.
حين بدأت الكتابة لم أكن أعرف فؤاد حداد كنت قد أحسست به لكن لم أتوقف كثيراً عنده. توقفت عنده عبر صلاح جاهين وديوان أحرار وراء القضبان الذي قرأته من مكتبة الصديق الكاتب الجميل أحمد بهجت وهما أول أناس أقرأوني هذا الديوان، عرفته حين خرج من المعتقل عام 64 كانت قد تأسست الموجة الأولي من شعراء العامية وكان هو العم الغائب العائد الذي التففنا حوله وأحببناه واختلفنا واتفقنا معه لكن بمودة وبحب.
* 30 ألف صياد وحصيلة من الموروث الشعبي ما مدي تأثير ذلك علي سيد حجاب؟
من خلال البيئة التي ولدت ونشأت فيها امتلأت مشاعري بحياة الصيادين وبغنائهم الفولكلوري وبغناء زوجاتهم وأبنائهم.
والحياة في المطرية واعتقد أنها في كل القري والمدن الصغيرة تمارس كلها بالغناء وبالشعر لكل لحظة من دورة الحياة وأغنياتها [منذ الميلاد، السبوع، تعلم المشي، مرورا بالعمل، الخطوبة، الزواج حتي الرحيل] الحياة غناء دائم علي ألسنة الناس.
ويقولون إن الشعر ديوان العرب وأنا أحب كثيراً أن أقول الغناء ديوان المصريين، يقولون الشعر ديوان العرب لأنه الذي حفظ لنا صورة المشاعر والرؤي والمفاهيم العربية أيام العرب وتاريخهم ووقائعهم وقيمهم ومعاييرهم. ومن خلال الشعر نستطيع أن نفهم العرب جيداً ونستطيع أن ننفذ إلي مشاعر ووجدان العرب، هذا الذي يحدث مع الشعر العربي. بالنسبة لنقاد الشعر الرسمي أظنه يحدث بالسليقة وبالطبيعة وبالفطرة وبالبساطة إزاء الغناء، الغناء هو ديوان المصريين الذي حفظ رؤي المصريين في لكل لحظات حياتهم.
* تمثل أشعار سيد حجاب وموسيقي عمار الشريعي ركناً اساسياً في أغلب أعمال الكاتب أسامة أنور عكاشة، كيف يتعامل سيد حجاب مع نص أسامة أنور عكاشة؟

ــ أسامة صديق عمر ورفيق درب لكن ارتباطي الاساسي بالدراما، طبعاً أنا أحب دراما أسامة أنور عكاشة لكن عملت مع آخرين كثيرين، منهم محمد جلال عبدالقوي، محفوظ عبدالرحمن والعديد من الكتاب وكانت أعمال ناجحة.
ولقائي مع أسامة أنور عكاشة هو لقاء أرواح تري الدنيا بنفس المنظار من خلال الدراما التي يكتبها أسامة أنور عكاشة، وانتمائي الأساسي للعمل الدرامي الذي إن رأيت فيه ما يعكس رؤاي للحياة شاركت فيه. وأظن أن ربنا وفقني كثيراً في هذا المضمار وفي الكثير من المسلسلات أذكر منها: [بابا عبده، الأيام، الشهد والدموع، ليالي الحلمية، علي أبواب المدينة، ليلة القبض علي فاطمة، وقال البحر، عصفور النار، أديب، العملاق، الوسية، المال والبنون، السيرة الهلالية، سامحوني ماكنش قصدي، أميرة في عابدين، الليل وآخره، إلي آخره..].
هذا المشوار أحدث نوعاً من التوفيق وأحدث نوعاً من اللقاء مع المتلقي ونوعاً من العقد غير المكتوب إن المسلسل يكون النافذة التي أطل منها عبر العمل الدرامي علي من ينتظر شعر سيد حجاب ومن ينتظر مقولة سيد حجاب الملتحمة بالدراما والتي تعكس في نفس الوقت رؤاي لعالمنا نفسه وعالم المتلقي في نفس الوقت. وأظن ساعدني علي ذلك عشقي الشديد للدراما، ومحاولتي النفاذ إلي روح الدراما التي أشارك فيها.
أنا في الحقيقة أري النص الشعري الذي أكتبه للدراما والأطفال من أهم المنجزات في مسيرتي الشعرية. الاثنان أدخلاني إلي قلب المتلقي وعقدا صلة إنسانية طيبة بين كلمتي وبين المتلقي.
*كيف يتم الجمع بين الصنعة والإبداع الفني؟
ــ أنا انطلق من المقولة التي يحملها العمل الفني. أسعي لفهم ما يسمونه في الدراما Primes المقولة الفكرية التي يبني عليها العمل الفني. ثم انتقي من داخل هذا العمل الفني الشخصي الذي أتحدث من خلاله ويسمونه Point payroll حاملاً الرأي حاملاً وجهة النظر ثم أبحث في المشترك بيني كسيد حجاب وبين هذه الشخصية التي أغني من خلالها وبين الواقع الذي نعيشه جميعا خارج هذه الدراما، وأحاول ليس بتعمد لكن أترك المسألة تنفجر وتحدث تفاعلات تفعل فعلها إلي أن يكتبني الشعر بعد ذلك، وأظن مع الوقت الطويل ومع العمل المستمر لمدة 30 سنة تقريباً في هذا المجال صار المتلقي يعرف كلمتي جيدا وينتظرها في أحيان كثيرة، وأظن كان التتويج الجميل في رمضان هذا العام في مسلسل [الليل وآخره] لقد كتبت وكتب آخرون واستقبل المتلقي وأدرك من هو الذي ينفذ إلي أعماقه ومن يتعالي عليه أو يتاجر بهمومه، أدرك جيدا من الذي ينتمي إليه ومن الذي يتاجر به.
*الاغنية داخل المسلسل تغني عن حوار طويل فمن يختار مكان الأغاني؟
ــ هناك أعمال كان يرسلها إلي المخرجون تاركين لي اختيار مواقع الغناء أو ضرورة الغناء من عدمه وبعض الأعمال قررت أن تكون غير مغناه مثل صيام صيام أرسل لي النص ليكون نصا غنائيا فرأيت أن الغناء قد يثقل العمل واكتفينا بالاتفاق مع المخرج آنذاك علي المقدمة والنهاية فقط،
وهناك أعمال أخري يقترح المؤلف الدرامي مواقع للغناء وأقترح مواقع أخري ونجلس لنحدد معاً أنا ومؤلف النص الدرامي والمخرج مواقع الغناء وضرورته وطبيعته وماذا يقول الغناء في هذا الموقف وفي ذلك الموقف إلي اخره.
وكثير من الأعمال التي اشتركت فيها بالغناء الداخلي كلها من اختياراتي وفي القليل جدا كانت الاختيارات بالاتفاق مع الكاتب أو المخرج.
* هل توجد دوافع الكتابة عند سيد حجاب؟
عم صلاح جاهين له قصيدة بتقول:
"في يوم من الأيام
راح أكتب قصيدة
عن................
عن...............
ح اكتب قصيدة
ح اكتبها.. وان مكتبتهاش أنا حر
الطير ماهوش ملزوم بالزقزقة"
الكتابة الحقيقية هي ممارسة للحرية الإنسانية في الشهادة علي الوجود الذي نعيشه هذا دافعي ودافع كل الكتاب الحقيقيين للكتابة، الشهادة للتواصل مع البشر. حتي حين اكتب بتكليف أستطيع أن أحل هذا التكليف بشكل عقلي وحرفي ولكني أفضل أن تكتبني الكتابة لا أن أتعسفها، من خلال المعايشة مع النص ومع التكليف أبحث عن نفسي دائماً أيا كان الدافع المباشر للكتابة، وأظن هكذا الفنان في أعمال كثيرة عبقرية برغم أن الدافع لها كان دنيوياً أو دنيئاً أو متردياً إلا أنه حين يكتب الكاتب بصدق يتفجر أنبل وأجرأ وأشجع وأكثر ما بداخله عشقا للحق والخير والجمال.
ديستوفسكي بدأ كتابة رواية المقامر علي ترابيزة قمار لسداد دين القمار اقترض "فلوس" من الناشر مقابل كتابة رواية فكتب له الصفحة الأولي من هذه الرواية علي منضدة القمار لكن تظل هذه الرواية من أكثر أعمال ديستوفسكي عبقرية برغم دناءة الدافع المادي لكتابتها لكن حين انفرد ديستوفسكي للكتابة مع نفسه خرجت عنه أنبل الأعمال.

* هل هناك طقوس خاصة يمارسها سيد حجاب أثناء الكتابة؟
هناك طقوس للاحتشاد لكن الكتابة يمكن أن تهاجمني في أي لحظة مادمت منتظراً لعمل ما أو لفكرة ما أو لهاجس شعري ما سواء كان هذا العمل تكليفاً أم اختياراً خالصاً، وكثير من الأعمال التي استقبلها الناس بحب كبير هاجمتني وأنا ألعب الدمينو لكن لاتعني انني فكرت فيها أثناء لعب الدمينو، كان الهاجس ملحاً و"شاغلني" و"ساكنِّي" طول الوقت ثم اختار لحظة خروجه لحظة دمينو مثل ليالي الحلمية كتبت ونحن نلعب الدمينو أنا والمخرج جمال عبدالحميد والمخرج وحيد مخيمر وعلي الحجار ومحمد متولي ومجموعة الأصدقاء، كذلك الكثير من الرباعيات المكتوبة في الأيام كتبت أيضا ونحن نلعب الدمينو مع مجموعة الأصدقاء المقربين لعمار ونحن بانتظاره ان يعود من انجلترا آنذاك وأنا مشغول بهم الكتابة فكان هذا المخاض يفاجئني وانا أمارس اعمالاً تبدو بعيدة كل البعد عن واقع الكتابة، فالكتابة لا طقس لها لكن يمكن أن تحتشد لها وحين تسلمها نفسك ستختار لحظة مخاضها الخاصة.
* حياة سيد حجاب خاصة أم هي رهن الإبداع الفني؟
أظـن أن كل مبدع تواصل إبداعه، وضع حياته الخاصة ووجوده بكامله في خدمة إبداعه دائما أقول إن الفن كأنما هو رب لا يقبل الشرك أو علي رأي ولاد البلد "زي الفريك مايحبش شريك" إذا وضع الفنان نفسه في خدمة موهبته وإبداعه ستعطيه هذه الموهبة وهذا الإبداع كل مايتمني من سلام نفسي ومن دور اجتماعي ومن مال ومن شهرة إلي آخره لكن إذا اتخذ هذه الموهبة مطية لأغراض آلهة أخري كالمال أو الشهرة أو النساء فهو يمتهن هذه الموهبة وهذا الإبداع ويحوله إلي مجرد ركوبة تحمله إلي حيث يريد مع تدني مستواها الدائم. وأظن نحن حولنا في كل المجالات الفنية فنانين أخلصوا لفنونهم فكانوا وتحققوا، وفنانين استخدموا موهبتهم في الوصول إلي السلطة أو في الوصول إلي الإعلام أو في الشهرة الاجتماعية أو في الحصول علي المال فتدنت موهبتهم وتدنت قدراتهم بشكل محزن.
* ما المحطات الرئيسية في حياة سيد حجاب؟
أكيد المحطة الأولي الميلاد وكانت صدفة جميلة، الواحد يأتي إلي هذا العالم الصالح للسكني، الصدفة الجميلة الثانية كتابتي للشعر مبكراً ولقائي بأول أستاذين أثرا في حياتي والدي الذي علمني في سن العاشرة والحادية عشرة حتي الرابعة عشرة علم العروض والقوافي واستاذي شحاته سليم نصر الذي نبهني لضرورة التواصل مع الحياة والخروج من الذات الصدفة التي تلت ذلك لقائي بالدكتور مندور وتبنيه لي شعرياً وإنسانياً لفترة، ثم لقائي مع صلاح جاهين.
الحياة بكاملها لي وللآخرين هي مجموعة من الصدف المتراكبة وكان للطلبة في أحداث مايو 68 في فرنسا شعار جميل يقولون: علينا أن نكتشف قانون تواتر الصدفة بانتظام، لأن حياتنا كلها تكاد تبدو من الخارج مجموعة من المصادفات أنا وأنت والآخرون علينا أن نكتشف سياق هذه المصادفات لنكتشف من نحن وإلي أي طريق نتجه.
* في أي الأعمال نكتشف منه سيد حجاب؟
كل عمل بشكل ما يعكس وجهاً أو جانباً من شخص وخبرات ورؤي سيد حجاب، يستوي في ذلك القصيدة المكتوبة للقراءة والقصيدة المكتوبة للغناء والقصيدة المكتوبة للطفل، في كل عمل بعض من رؤاي وبعض من ذاتي.

» سيد حجاب
» الشاعر الإنجليزي وليام شكسبير (سيرته الشخصية+أعماله للتحميل)
» من أشعار سيد حجاب
» تعريف صغير عن سيد حجاب
» سيد حجاب ... الصياد الذى إصطاده الشعر